في وقت تتجه فيه الأنظار إلى مرحلة إعادة الإعمار، تبرز قضية إعادة تدوير مخلفات البناء، وعلى رأسها الخرسانة كأحد أبرز التحديات والفرص الاستراتيجية في آنٍ واحد، ومع بدء عدة شركاتٍ محليةٍ في ريفي دمشق وحلب العمل على مشاريعَ تجريبيةٍ لإعادة التدوير، يطرح خبراء الاقتصاد والهندسة أسئلةً جوهريةً حول كيفية تحويل ملايين الأطنان من الأنقاض إلى مورد فعّال يدعم التنمية المستدامة.
الدكتور المهندس عمر الشيخ خليل أوضح في تصريح لموقع “بزنس 2 بزنس” أنّ هذه المخلفات تمثل خطراً بيئياً وصحياً متزايداً، لكنها في الوقت ذاته تشكل مورداً محتملاً يمكن استثماره في إعادة الإعمار إذا ما تم التعامل معها وفق أسسٍ علميةٍ دقيقة، وأكّد أنّ إعادة تدوير الخرسانة ليست خياراً ترفيهياً، بل ضرورةً استراتيجية تفرضها الظروف الراهنة، شريطة توفر الإمكانيات الفنية والمادية.
من أبرز التحديات التي أشار إليها خليل، التلوث الكيميائي الناتج عن المعادن الثقيلة مثل الرصاص والزئبق والكادميوم، إضافةً إلى احتمال وجود تلوث إشعاعي في بعض المناطق المدمرة؛ ما يستدعي إجراء اختباراتٍ تخصصيةٍ قبل البدء بعمليات التدوير، وشدد على ضرورة فصل المواد الخطرة مثل الأسبستوس والزجاج وبقايا الذخائر بطريقة آمنة تتوافق مع المعايير الدولية (ISO 14000، IAEA Safety Standards).
التحديات الفنية لا تقل أهميةً؛ إذ يواجه القطاع غياب قاعدة بيانات دقيقة لمكونات مخلفات البناء، ونقصاً في الاختبارات الميدانية لتحديد الخصائص الفيزيائية والكيميائية للركام المعاد تدويره، كما أنّ تفاوت المعايير الدولية (ACI، ASTM، BS، EN) مع الواقع المحلي يتطلب دراسةً معمقةً لتكييفها مع البيئة السورية.
وللانتقال من العمل غير المنظم إلى المنظم، يقترح الخبراء إعداد دراسةٍ علميةٍ متكاملةٍ لتقييم الأثر البيئي والصحي، وإنشاء مشاريعَ تجريبيةٍ في المناطق المدمرة لتقييم الجدوى الفنية والاقتصادية، إلى جانب تطوير سياسةٍ وطنيةٍ لتدوير المخلفات، وبناء قاعدة بياناتٍ وطنيةٍ تُستخدم كمرجعٍ للمراحل القادمة.
ويرى خليل أنّ نجاح هذه المشاريع لا يتوقف على الجوانب الفنية فقط، بل يحتاج إلى قرارٍ سيادي واضح وإرادةٍ سياسيٍة حقيقية، إضافةً إلى دعم دولي يراعي خصوصية الواقع السوري، فإعادة تدوير الخرسانة ليست مجرد تقنيةٍ، بل خيار استراتيجي يعكس رؤية وطنية لإعادة البناء على أسس مستدامة، ويضع سوريا على طريقٍ جديدٍ نحو التعافي الاقتصادي والبيئي.







